لا أعتقد أن أغلبية الرجال يدركون خطورة اللغة وتأثيرها في العلاقة الزوجية على مستويات عدة، ولا أعتقد أن أغلبية الأزواج سيقتنعون بأن مجرد تغيير اللغة قد يكون كافيا لإنقاذ زيجاتهم من الانهيار! فما هي حكاية اللغة، وعلاقتها بالزواج، وكيف يخطئ هنا الرجال؟.
مكتوب في الإنجيل أنه «في البدء كانت الكلمة»، والزواج ينعقد بكلمة وينفض بكلمة، ولكن للكلام مسؤولياته وتبعاته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اتقوا الله في النساء فإنكم استحللتم فروجهن بكلمة الله)، فلماذا يغفل الرجال بعد كلمة العقد عن أهمية اللغة والكلام في علاقة بدأت بكلام؟.
وقد نردد كلنا مثلا قوله صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيبة صدقة»، أو نتلو: (وَقُل لعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ)، أو نلقي موعظة أو نسمعها تصف وتعدد آفات اللسان، فتذكرنا بقوله صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك هذا»، مشيرا إلى لسانه، وسمعت شكاوى كثيرة من رجال يظنون أن أعضاءهم الجنسية معتلة، وقد تكون سببا في فشل زيجاتهم، لكنني لم أسمع أحدا يخشى أو يشكو من لسانه، رغم أن اللسان أهم وأخطر!.
ماذا تنتظر المرأة وتحتاج؟
تنتظر كل امرأة من الرجل الذي يريد الفوز بقلبها، فضلا عن زواجها ومعاشرتها، غزلا ومديحا وتقديرا وكلاما طيبا، والمرأة بمشاعرها وعواطفها تبدو أكثر اهتماما وتأثرا بالمجاملات والتعبيرات والأحاسيس والكلمات على فروق في الدرجة بين امرأة وأخرى.
والرجل الذي لا يجيد هذه اللغة موقوف على خطر كبير، ومهدد بإنكار كل جهوده وتفانيه وأعماله في سبيل إسعاد زوجته، فقط لأنه لا يجيد التعبير الذي تتعطش له كل امرأة وتنتظره وتحتاج إليه.
وكم من زوج يذبح نفسه اجتهادا في جمع المال لعياله، أو رعاية لمصالح الزوجة أو أهلها، أو خدمة لبيته وأولاده في حين يذهب التقدير لآخر لين الجانب، حلو الألفاظ، طيب المعشر، واسع الصدر، وقد تغفر ميزاته هذه نقائصه وزلاته!. والمرأة تقيس محبة زوجها لها بكلماته، وبما يقضيه معها من أوقات، وما تسمعه منه من أحاديث وحكايات، وبقدرة الرجل على إثارة اهتمام زوجته، ولفت انتباهها بشكل ومضمون كلامه، وكذلك الإنصات لما تقوله هي وإن طال أو مل. تتوقع الزوجة من زوجها أن يشرح لها ما هو غامض عليها في تصرفاته، وأن يناقش معها قراراته -فيما يتعلق بحياتهما على الأقل- وهي لا تحب الرجل كثير الأسرار، أو الذي ينفرد بالقرار دائما، أو لا يأخذ رأيها، ولو أحيانا.
المرأة تعتبر الزواج رفقة -وهو كذلك- ومن الرفقة أن يتكلم الناس مع بعضهم، وأن يكون لهذا وقت يقضيانه معا، ولو بالهاتف إن كان مسافرا فكلام الرجل وصوته وأحاديثه تعني للمرأة حبا وأمانا وتواصلا.
مزايدات ومبالغات
تلعب اللغة عند المرأة أدوارا أخرى، فهي ساحة للتعبير والتواصل، والمبالغات -ولا أقول الكذب- من طابع كثير من النساء، وهو طابع مفهوم في ظل ما سلف، وما نفهمه من طبيعتها وتكوينها، وربما يحتوي كلام النساء مجازا ومداراة وعدم دقة معملية أكثر مما يحمل كلام الرجل، ويجري هذا كله غالبا دون قصد، لأن علاقة المرأة باللغة هي علاقة خاصة ومختلقة عن علاقة الرجل، فقد تسمع من زوجتك مثلا قولها: الأولاد يريدونك معهم أكثر، بدلا من أن تقول: لماذا لا تجلس معي لنتحدث؟.
ولن تجد امرأة تصف نفسها بأنها قبيحة أو متواضعة الجمال، أو سيئة الطباع أو سريعة الغضب أو غير ذلك من العيوب بوضوح وصراحة إلا أن تكون مكتئبة وتحتاج إلى علاج، أو تكون مسترشدة وتحتاج لمشورة صادقة. لن تجد امرأة تكره المديح أو تحب النقد وترحب به، أو تتقبل بصدر رحب مواعظك المستمرة، أو ملاحظاتك المتواصلة حول كل شيء من تسريحة شعرها إلى أسلوب تربيتها لأولادك!.
لن تجد امرأة تمل من سماع كلماتك في حبها والغزل بها، وامتداح طبخها وإدارة بيتها، ودينها وأخلاقها وكل ما يتعلق بها. لن تجد امرأة لا تتحدث عن نفسها كثيرا، وتنسب إليها أحيانا فضائل قد لا تكون فيها، وتشكو غالبا ودائما من الأحداث والأشخاص والأشياء دون أن تعني هذه الشكوى غير استخدام اللغة في التعبير، أي أنها لا ولم ولن تتخذ موقفا معينا أو رافضا من الأولاد أو الأشياء أو الأشخاص المشكو منهم!.
وبالجملة لن تجد امرأة تكره الكلام قولا وسماعا، أو لا تحتاج إلى وقت تقضيه معها، أو مديح توجهه إليه، أو تقدير لما تقوم به أو مجاملة بسيطة رقيقة يحتاجها كل إنسان. كما لن تجد امرأة تكره الزهور أو الهدايا أو الشعر أو الزينة على اختلاف الأذواق في اختيار الألوان والأنواع. قد تجد امرأة لا يهمها كثيرا أن تملأ جيبها بأموالك، أو بيتها بأشيائك، أو خزانة ملابسها بهداياك، لكنك لن تجد امرأة لا يهمها أن تملأ قلبها ومشاعرها وعقلها ونفسها بالمعاني الطيبة والأحاسيس الجميلة ووجودك الداخلي المستمر في هذه المساحات الأساسية.
مفارقات الصمت والمراوغة
من المشتهر أن الرجل يتكلم كثيرا مع خطيبته ثم يقل معدل الكلام حتى يصل الأمر أحيانا إلى «الخرس» الكامل بعد الزواج!.
وأنا هنا لا أتحدث عن هذا فقط، ولكن أشير إلى مفارقة أزعم أنها مهمة، ففي بعض الأوقات يصمت الرجل لأنه يفكر في أمر ما أو حين يتعرض لمشكلة فتشغله، وعندما يعمل عقله كثيرا ما ينعقد لسانه، على الجانب الآخر تعتبر أغلب النساء صمت الرجل وهو معها علامة على الإهمال أو عدم الحب والتقدير، أو أنه دخل في علاقة مع امرأة أخرى. وقد تبدأ في توجيه اللوم القاسي له على هذا الصمت، بل قد تبدأ في تجهيز برامج للمعاملة بالمثل بدءا من الصمت بالمقابل، أو أيضا البحث عن علاقة أخرى، ولو بالكلام! وهذا يزداد في حالة الرجال قليلي الكلام بطبعهم!.
ومفارقة أخرى تكمن في أسلوب المراوغة عند المرأة والرجل فبدلا من التعبير عن مشاعر الحزن والخوف تتظاهر هي بالقلق وأحيانا بالاهتمام، ولا بأس من أن تظهر مكتئبة أو محبطة من أن تظهر محرجة أو خجلة من موقف خطأ أخطأته، لأنها بهذا تتحاشى الاعتذار، والإحساس بأنها انكسرت. أما الرجل فلا يحب إظهار مشاعر الخجل والصدَقَة والتعرض للظلم فيقوم بإبداء الهدوء والسكينة، وربما يحاول إشعار نفسه بالثقة الزائدة وتصرفات عدوانية!. هذا كله يظهر أساسا في الكلام المتبادل، أو غير المنطوق أحيانا، والمصارحة بالأسلوب المناسب، وفي الوقت المناسب تكون أفضل.
لغة من غير كلام
لا أحب أن يتسرب إلى عقول القراء أن اللغة تساوي الكلام فقط، والمرأة التي تحتاج إلى وقت وكلام من الرجل تحتاج أيضا إلى مفردات أخرى من لغة الجسد غير المنطوقة. وهناك أبحاث ومقالات علمية عن الأحضان والقبلات، وعن الملامسة الزوجية بدرجاتها وصولا إلى العلاقة الحميمة الكاملة، وفي ديننا فإن التقديم قبل المعاشرة هو من آدابها، ومن ينساه أو يجهله موصوف بالعجز في السنة النبوية. وحين لا تمسح على شعر زوجتك أو تلمسها بحنان من آن لآخر فإن هذا «الهجر» يعدل نفس آثار الصمت عندها، وحاسة اللمس عندنا تبدو معطلة في إطار علاقتنا المشوهة بأجسادنا وأجساد زوجاتنا، ومن الشائع ألا نتلامس إلا في إطار المعاشرة!.
ولغة الجسد ليست فقط ملامسة وأحضانا وقبلات، ولكن أيضا إيماءات ونظرات وحركات لكل أعضاء الجسد تحمل رسالة إيجابية أو سلبية أو محايدة. هذه بعض ملاحظات على مسألة اللغة، أنصحك عزيزي الرجل أن تقرأها ثانية وثالثة، إذا كنت متزوجا تحتاجها، وإذا لم تكن فستحتاج إليها حتما.. إن كنت تريد الزواج.