هل أنت راضي عن الماضي ???
يقول علماء اليوم أن مستقبل البشرية سيكون سيئاً جداً...
ستزداد أعداد البشر وستنتهي موارد الماء والغذاء وسنشتري الهواء...
ستنقرض أنواع الكائنات وستمتلئ الأرض بالنفايات...
لكن كل هذه ليست إلا جزءاً صغيراً من المشكلة!
هؤلاء العلماء الجهلاء يتجاهلون المشكلة الحقيقية وينظرون فقط إلى ظواهر الأمور دون الاهتمام بالجذور، فيقولون أنه على جميع الأمم أن تتعاون معاً من أجل توحيد البشر والحفاظ على المستقبل المشترك... لكن من الذي سبّب الصراعات وتقسيم الأرض منذ البداية؟؟
يقولون أن الأنظمة الاقتصادية والأنظمة البيئية على صلة وثيقة، لكن ماذا عن المعتقدات والمصالح الراسخة التي سادت في الماضي، وخاصة استغلال الدين والسياسة، الذي سبّب تقسيم العالم؟؟
إن قولهم بأنه علينا أن نعمل الآن لإنقاذ المستقبل، يدلّ على أن الحالة الراهنة قد صُنعت في الماضي... لكننا لا نزال نتعلق بالماضي بألف طريقة وطريقة... ونبحث باستمرار دون أن نجد أي حقيقة...
إذا كنا نحن المسؤولون عن صُنع مستقبلنا، فمن المسؤول عن صُنعنا نحن؟؟؟؟
إن الماضي هو الذي صنعنا، ونحن الآن نعيش في حالة سيئة جداً...
ولسنا نحن الذين صنعنا هذه المشكلات، بل صنعها البشر الذين سبقونا.
إذا كنا نريد فعلاً إيجاد الحلول لمشكلات المستقبل قبل أن نرحل... فعلينا أن نكتشف جذور هذه المشكلات في الماضي الذي فات... ولن ينفعك قَصّ أوراق شجرة الشوك... بل عليك أن تقتلع الجذور....
لكنك عندما تبدأ بالجذور، ستكون في صعوبة بالغة لأنك ستجد هناك معظم التجار والسياسيين... والمتعصبين من رجال الدين الذين أسسوا المنظمات والطوائف الدينية الضيقة، وستجد المجتمعات والمنظمات والأحزاب المتعصبة.... وستجد الواحدة الأساسية في بناء المجتمع وهي ما يُسمّى بـ"الزواج" التي تنبثق منها جميع مشكلاتنا...
الزواج الحقيقي "نِصف الدّين"... ليس له أي علاقة بالقوانين والأعراف الاجتماعية والدينية الحالية...
إنه ذوبان قلبي العاشقين في كلّية الحياة وحكمتها... والتناغم الدائم بينهما...
لكن الناس دوماً تجرّب الحب بغير وعي...
عطشهم للحب جيد، لكن حبّهم مليء بالغيرة وحب التملّك... مليء بالغضب والأذى.... ولذلك ترى أنهم يدمّرون حبهم بسرعة.
ولهذا على مدى مئات السنين اعتمد الناس على الزواج!!!
وكانت تسيطر عليهم فكرة:
"من الأفضل البدء بالزواج وعندها سيمنعك القانون الاجتماعي والأهل ورجال الدين من تدميره... سيمنعونك من الطلاق وبهذا تضمن استمرارية حبك... وتضمن ملكك لهذه الزوجة أو هذا الرجل وملكك لأولادك"!!
المجتمع، الدولة، المحاكم، رجال الشرطة، رجال الدين، جميعهم سيجبرونك على الحياة ضمن "المؤسسة" الزوجية، وستكون عندها مجرّد عبدٍ عندهم... ونسينا "أموالكم وأولادكم فِتنة"...
إذا كان الزواج ظاهرة واقعية، فيجب أن يكون ذروة الحب والغرام... وعندها يا سلام يا سلام....
إنْ حصل الزواج أولاً، فغالباً لا يوجد أي إمكانية لحدوث الحب.
وفي الواقع، تمّ اختراع الزواج الشكلي لإيقاف الحب، لأن الحب الحقيقي خطير جداً جداً:
إنه يأخذك إلى قممٍ عالية من الابتهاج والنشوة والرومانسية والمشاعر الجيّاشة.... وهذا أمر خطير بالنسبة للمجتمع بأن يسمح للناس بالسمو عالياً جداً.... فيرون أشياءً فاتنة الجمال من ذلك العلوّ الشاهق العميق....
لأن الشخص الذي عرفَ الحب ولو لمرة واحدة... لا يمكن لأي شيء أن يُرضِيه.
وعندها لن تستطيع أبداً إرضاءه بإعطائه حساباً كبيراً في البنك... حتى ميزانية أكبر بنك لن تساعدك؛ لأنه الآن يعرف شيئاً عن الغِنى الحقيقي...
إذا أحبَّ الإنسان وعاش تلك اللحظات من النشوة، لن يكون باستطاعتك جَذبه نحو مراكز القوى السياسية العالمية وجَعله يُتابع نشرات الأخبار والدّمار!
من يهتمّ...!؟؟؟؟
لن تكون قادراً على إجباره في أعمال بشعة غير إنسانية.
وسيُفضّل أن يبقى فقيراً... لكن حبه سيبقى متدفقاً كنهرٍ من الذهب الصافي....
عندما يُقتل الحب... وزواج هذه الأيام هو محاولة لقتله...
ستصبح طاقة الإنسان التي لم تعد تتحرّك في مجرى الحب، مُتاحةً للمجتمع والمافيات السرّية لكي تستغلّها وتُوجّهها....
وهكذا يصبح قادراً على القَتل، لأيّ عُذرٍ كان، وسيكون جاهزاً لأن يَقتُل أو يُقتَل... لأجل أي فكرة تافهة تزرعها في فكره.
وسوف يغلي من الإحباط والغضب: فتستطيع إجباره على السير في أي اتجاه فيه طموح....
وسيصبح سياسياً كبيراً في النهاية....!!
"المُحبَط" الفاشل في الحب جشعٌ جداً، وعنيفٌ بشدة، لأن الإحباط في الحب يقود إلى عالم الطموح والرغبات المتلاحقة...
الإحباط في الحب يدمّر البشرية والأرض بكاملها....
لكن المجتمع يحتاج أُناساً مُحبَطين!!!
إنه يحتاج جيوشاً ضخمة: جيوشاً من السياسيين والمحاربين، من الكتّاب، من المدراء والموظفين وغيرهم....
يحتاج أناساً مستعدّين للقيام بأي شيء، لأنهم لم يعرفوا أي شيء سامي في حياتهم....
لم يلمسوا أي لحظة شاعرية أبعد من حدود الأكل والنوم والغريزة؛ لذلك يستطيعون أن يعدّوا النقود ليلاً نهاراً مُعتقدين أن هذا كل ما يوجد في الحياة...
فعلاً الحبّ خطير على الجهلاء وأكثرنا للحق والحب كارهون........
لكنني أتمنّى أن يصبح الحبّ الحقيقي مُتاحاً للجميع.
وإذا حدث الزواج: ينبغي أن يكون ناتجاً ثانوياً للحب، ويجب أن يبقى ثانوياً.
وإنْ اختفى الحب يوماً، يجب ألا نضع أي عوائق أمام حلّ الزواج ولو كان أبغضَ الحلال إلى الله...
إذا أراد شخصان الزواج، يجب أن يوافق كل منهما عليه.
لكن من أجل الطلاق، حتى ولو أراده شخص واحد، يجب أن يكون ذلك سبباً كافياً له، ولا حاجة لموافقة الطرفين حتى يحدث الطلاق.
للأسف، الآن لا يوجد أي عوائق أمام زواج أي شخصين.
فأي أحمقين يمكنهما الذهاب إلى مكتب سجّلات الزواج ويتزوجان فوراً. لكن هناك ألف عائق وعائق ضد الطلاق، وهذه حالة جنونية غير واعية لنتائج فَرض الأخلاق والقوانين السطحية.
يجب أن توضع كل أشكال الشروط والعوائق عندما يريد الناس الزواج، لكي لا يبقى إلا الزواج الحقيقي الواعي والمسؤول.
وأنا لستُ ضد الزواج ولا ضد الطلاق.... بل مع الزواج الحقيقي وضد المزيّف والكاذب الذي تراه منتشراً عند الأغلبية....
هذا الزواج التافه ترتيبٌ يُعطيك الأمن والأمان ويعطيك مهنةً تعمل بها.... يجعلك مشغولاً باستمرار ليل نهار... وما عدا ذلك لا يعطيك أي ثروة داخلية.
إذا استطعنا إلغاء الزواج الشكلي، سيزول المجتمع، وكنتيجة ثانوية لذلك، ستختفي الدول والعروق والسياسيون ورجال الدين، وهذا هو سبب إصرارهم جميعاً على الزواج...!
إنهم يعرفون تماماً أنه هو الجذر الأساسي، وهو المطلوب لإبقاء الإنسان بائساً ومُستعبداً...
لكي نصنع مستقبلاً مختلفاً عن المستقبل الآتي –الدمار القادم من تلقاء ذاته، علينا أن نفصل أنفسنا عن الماضي.
وكأن الإنسان قد وُجد فقط من أجل خدمة هذه الأشياء والدفاع عنها: الديمقراطية، الاشتراكية، الفاشية، الشيوعية، الهندوسية، المسيحية، البوذية، اليهودية، السنّية، الشيعية...........
في الحقيقة، يجب أن تكون جميع هذه الأشياء موجودة من أجل خير الإنسان وفائدته، وإذا أصبحت ضده فببساطة يجب ألا توجد على الإطلاق.
إن ماضي البشرية بأكمله مليء بالأيديولوجيات والأفكار الغبية التي من أجلها كان ولا يزال آلاف الناس يُصلبون ويُقتلون ويُذبحون ويُدفنون وهم أحياء وكل هذا باسم الدفاع عن الدين وكلام الله أو عن الوطن والأمة أو عن الطائفة وغيرها من العلب....
في الثلاثة آلاف سنة الماضية قُمنا بخمسة آلاف حرب، وكأن الحياة كلها تتمحور حول العنف والقتال وليس حول الفن والإبداع... والاستمتاع بنعم الله والطبيعة علينا.
علينا فوراً أن نرمي كل هذا الجنون!!
لن نستطيع تغيير أي شيء في هذا العالم ما لم نقطع هذه الجذور تماماً....
وأهم شيء يجب عمله تجاه البشرية اليوم، هو جعلها واعية بأن ماضيها قد غدر بها ودمّرها، وأنه لا توجد أي فائدة من المحافظة عليه..... وأن بشرية جديدة مطلوبة بشدة وبسرعة....